أزمة الجوع في كينيا.. هل فقد المجتمع الدولي مسؤوليته تجاه اللاجئين؟
أزمة الجوع في كينيا.. هل فقد المجتمع الدولي مسؤوليته تجاه اللاجئين؟
في قلب شرق إفريقيا، وتحت لهيب شمسٍ لا ترحم، يعيش مئات الآلاف من اللاجئين في كينيا لحظةً كارثية تهدد أرواحهم يومًا بعد يوم، فالمخيمات التي شُيدت لتكون ملاذًا آمنًا تحولت إلى ساحات صراع من أجل لقمة العيش في ظل مجاعة تتفاقم ليس بسبب الكوارث الطبيعية وحدها، بل بفعل قرارات سياسية وتخفيضات تمويلية صنعت أزمة إنسانية مكتملة الأركان.
تستضيف كينيا اثنين من أكبر مخيمات اللاجئين في إفريقيا: مخيم داداب الذي تأسس عام 1991 لاستقبال الفارين من الحرب الأهلية في الصومال، ومخيم كاكوما الذي تأسس في 1992 لاستقبال لاجئين من جنوب السودان ودول الجوار، إلى جانب مستوطنة كالوبيي التي أُنشئت لاحقًا لتخفيف الاكتظاظ، هذه المخيمات صارت بمنزلة مدنٍ مؤقتة تؤوي اليوم ما يقارب نصف مليون لاجئ، معظمهم محرومون من حق العمل والتنقل الحر خارج المخيمات، ما يجعلهم يعتمدون كليًا على المساعدات الإنسانية وفق موقع “ريليف ويب”.
وأصدرت اللجنة الأمريكية للاجئين والمهاجرين (USCRI) بيانًا شديد اللهجة أخيراً، أعربت فيه عن قلق بالغ إزاء تفاقم المجاعة في مخيمات اللاجئين بكينيا، جاء هذا التحذير بعد تقارير متكررة عن عائلات وأطفال يعانون الهزال الحاد، وأيام يقضونها بلا طعام في مخيمي كاكوما وداداب، عقب تخفيضات غير مسبوقة في المساعدات الإنسانية الأمريكية والدولية.
وتقول اللجنة إن الأزمة ليست نتيجة عجز الموارد العالمية، بل نتيجة تخفيضات جذرية في التمويل، أبرزها تقليص الولايات المتحدة –التي كانت تقود تاريخيًا استجابة الطوارئ– دعمها لبرامج الغذاء والتمويل النقدي، ونتيجة لذلك، اضطر برنامج الأغذية العالمي في يونيو الماضي لتقليص الحصص الغذائية إلى مستويات غير مسبوقة، حتى باتت بعض الأسر تتلقى أقل من نصف احتياجاتها اليومية من الغذاء.
العنف يعمق الجراح
في الأسبوع الأخير، تصاعدت حالة الغضب واليأس بين اللاجئين، لتتحول إلى احتجاجات في مخيم كاكوما ومستوطنة كالوبيي، احتجاجًا على تقليص الحصص الغذائية، ردّت قوات الأمن الكينية بعنف، ما أسفر -بحسب اللجنة الأمريكية للاجئين والمهاجرين- عن إصابة العديد من اللاجئين، وحدوث وفيات لم تُؤكد أرقامها بعد، فضلًا عن اندلاع حريق في منشأة تابعة لبرنامج الغذاء العالمي.
يجب ألا تُقابل صرخات الاستغاثة اليائسة من أجل الغذاء بالصمت أو بالقوة، تقول اللجنة، مؤكدة أن التجويع القسري يمثل انتهاكًا صارخًا للحقوق الأساسية، خصوصًا حين يكون نتيجة سياسات يمكن تعديلها.
بحسب بيانات برنامج الأغذية العالمي، يعاني ما يقارب 40٪ من اللاجئين في كينيا من انعدام الأمن الغذائي الشديد، فيما تظهر مؤشرات سوء التغذية الحاد بين الأطفال معدلات تتجاوز الحد الطارئ البالغ 15٪ الذي تحدده منظمة الصحة العالمية، أطفال دون سن الخامسة يواجهون خطرًا مباشرًا على حياتهم، والنساء الحوامل والمرضعات معرضات لمضاعفات صحية جسيمة.
التخفيضات الأخيرة أجبرت الوكالة الأممية على وضع خطة جديدة لتوزيع حصص غذائية لثلاثة أشهر فقط، تستهدف الأكثر ضعفًا، تاركةً آلاف الأسر خارج قوائم المساعدة تمامًا. أزمة تمويل البرنامج هذا العام بلغت ذروتها مع فجوة تقدر بأكثر من 80 مليون دولار.
أزمة بلا أفق للحل
تاريخيًا، لعبت كينيا دور الملاذ الأول للفارين من الصراعات في دول الجوار، خصوصًا الصومال وجنوب السودان وإثيوبيا. لكن تراجع الاهتمام الدولي مع طول أمد النزوح جعل المخيمات تتحول تدريجيًا من حلول طارئة إلى مساكن شبه دائمة بلا بنية اقتصادية مستدامة.
ومنذ سنوات، حذرت منظمات حقوقية من أن الاعتماد الكلي على التمويل الخارجي دون إيجاد حلول دائمة –مثل دمج اللاجئين في سوق العمل أو إعادة التوطين– يترك المخيمات رهينة لتقلبات السياسة الدولية. اليوم، تتحقق هذه المخاوف بصورة مأساوية.
تصف اللجنة الأمريكية للاجئين والمهاجرين الأزمة الحالية بأنها مجاعة من صنع الإنسان، لأنها لم تنشأ عن الجفاف وحده أو النزوح، بل بسبب قرارات سياسية خفضت التمويل وأدت مباشرة إلى تجويع مئات الآلاف، وتضيف أن الولايات المتحدة، كأحد أكبر المانحين تقليديًا، تتحمل مسؤولية خاصة لإعادة تمويل برامج الإغاثة.
تقرير صادر في يوليو 2025 عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) أشار أيضًا إلى ارتفاع معدلات العنف الأسري والزواج المبكر نتيجة الجوع والفقر، مما يزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية في هذه المجتمعات الهشة.
مسؤولية دولية وقرارات مؤجلة
تطالب المنظمات الحقوقية والإنسانية –من بينها اللجنة الأمريكية للاجئين والمهاجرين، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبرنامج الأغذية العالمي– بزيادة عاجلة للتمويل، وسد الفجوات القاتلة التي تهدد بتحول الأزمة إلى مجاعة واسعة النطاق.
لكن الخبراء يحذرون من أن الحل الحقيقي يتجاوز مجرد التمويل العاجل، ويتطلب إصلاحًا جذريًا لسياسات اللجوء في كينيا، بما في ذلك السماح للاجئين بالعمل بحرية ودمجهم اقتصاديًا لتقليل اعتمادهم الكامل على المساعدات.
أزمة المجاعة في كينيا ليست حادثًا عابرًا إنها جريمة صامتة ضد الضعفاء، صنعها تقاعس سياسي وعجز دولي، في المخيمات البعيدة عن عدسات الإعلام، يكبر جيل كامل على الجوع والخوف، فيما يظل العالم منشغلًا بخلافاته ومصالحه، ولقد حان الوقت –كما تؤكد اللجنة الأمريكية للاجئين والمهاجرين– ليتحرك المجتمع الدولي قبل أن تتحول مأساة اللاجئين في كينيا إلى كارثة إنسانية مكتملة الأركان، لا يمكن ترميم آثارها لعقود مقبلة.